آخر الأخبار

الذكاء الاصطناعي يخرج من الشاشات ويدخل إلى عالمنا المادي عبر أجهزة ذكية متجسدة


 يشهد العالم اليوم موجة جديدة من التحول الرقمي يقودها الذكاء الاصطناعي، لكن هذه المرة لا يتمركز التطور حول الخوارزميات فقط، بل يمتد ليشمل الأجهزة المتطورة التي تعيد تعريف طريقة تفاعل الإنسان مع التكنولوجيا. نحن لا نتحدث عن مستقبل بعيد بل عن واقع يتشكل بسرعة غير مسبوقة أمام أعيننا.

فالتقنيات الحديثة مثل الحوسبة المكانية والواقع الممتد والأجهزة القابلة للارتداء المدمجة بالذكاء الاصطناعي أصبحت اليوم مقدمة لعصر جديد كليًا، حيث تتحول الآلات من أدوات جامدة إلى كيانات تفاعلية تدرك العالم من حولها وتتكيف معه لحظيًا.

بدأت الشركات الكبرى باتخاذ خطوات واضحة في هذا الاتجاه، فمثلاً كشفت الطلبات الحديثة التي قدمتها OpenAI عن اهتمامها بإنتاج أجهزة متقدمة تشمل الروبوتات البشرية، ونظارات الواقع المعزز، وساعات ذكية ومجوهرات رقمية تدمج الذكاء الاصطناعي في جوهرها. كما أن شركة ميتا استثمرت في تطوير نظارات ذكية تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يعزز من حضور هذه الأجهزة في الحياة اليومية للمستخدمين.

التحول هنا ليس تقنيًا فقط، بل هو فلسفي في جوهره، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي محصورًا في شاشات الحاسوب أو الهاتف، بل أصبح شريكًا حاضرًا في الواقع، يتفاعل بالصوت، والحركة، ونظرات العين، وحتى بردود الفعل اللمسية. إنه ذكاء يتجسد، ويتحرك، ويشارك في الحياة كما نفعل نحن.

لتحقيق هذا التفاعل الواقعي المطلوب، تظهر الحاجة إلى أجهزة جديدة تمامًا، تضم مستشعرات دقيقة، وقدرات تفسير بيئي متقدمة، وواجهات تعتمد على الإيماءات، والتواصل الصوتي، وتتبع النظرات. هذه التقنيات تفتح الباب أمام تطبيقات وخبرات كانت قبل سنوات مجرد أفكار من أفلام الخيال العلمي.

الحوسبة المكانية تقف في قلب هذا التغيير، فهي تتيح للآلات فهم الأبعاد الثلاثية للمكان والتفاعل معها، ما يجعل التفاعل بين الإنسان والآلة أكثر طبيعية ومرونة. وبدلًا من أن نتكيف نحن مع التكنولوجيا، أصبحت هي من تفهمنا وتتكيف معنا.

تصميم الواجهة التفاعلية لهذه الأنظمة لم يعد تفصيلًا جانبيًا، بل عاملًا حاسمًا في نجاح الذكاء الاصطناعي المتجسد. الأجهزة الجديدة لا تكتفي بجمع البيانات، بل تخلق واقعًا تفاعليًا جديدًا يعيد تشكيل طريقة استخدامنا للتكنولوجيا.

من جانبه، صرح جنسن هوانج الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا في معرض CES 2025 أن الانتقال من الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى وكلاء الذكاء الاصطناعي يشكل لحظة فارقة تقودنا إلى مفهوم الذكاء المتجسد، حيث تصبح الأجهزة الذكية كيانات تدرك بيئتها وتتفاعل معها مباشرة.

هذه الأجهزة قد تكون نظارات، أو روبوتات بشرية، أو خواتم ذكية، لكن وظيفتها واحدة: أن تكون حاضرة مع الإنسان، تراقب، وتفهم، وتدعم قراراته. وقد ذهب المستثمر البارز فينود خوسلا إلى حد التوقع بأن سوق الروبوتات البشرية قد يتفوق على صناعة السيارات العالمية، مما يشير إلى حجم الطموح والفرص في هذا المجال.

في هذا السياق، تبرز ثلاث قوى رئيسية تدفع تطور أجهزة الذكاء الاصطناعي الحديثة: الحاجة إلى بيانات مكانية دقيقة، وإدراك اللحظة والتفاعل معها، وإنشاء واجهات طبيعية تسهّل التواصل بين الإنسان والآلة. وتؤدي الأجهزة القابلة للارتداء والواقع المعزز والروبوتات دورًا محوريًا في تلبية هذه المتطلبات، حيث تزود الذكاء الاصطناعي ببيانات مباشرة من بيئاتنا المعقدة والمتغيرة.

أمثلة على هذه التحولات بدأت بالظهور، مثل نظارات Ray-Ban الذكية من ميتا، والتي تسمح بالتفاعل مع مساعد ذكاء اصطناعي دون النظر إلى شاشة، كما تسمح بتسجيل اللحظات وتقديم دعم ذكي في اللحظة المناسبة. وكذلك اهتمام OpenAI المتزايد بنظارات الواقع المعزز يؤكد أننا نتجه نحو مستقبل تصبح فيه هذه الأجهزة امتدادًا طبيعيًا لحواسنا.

في النهاية، يتجه الذكاء الاصطناعي نحو مرحلة جديدة يتحول فيها من أداة في يد الإنسان إلى شريك متفاعل يرافقه في حياته اليومية، يتعلم منه ويتفاعل معه، ويتطور حسب السياق. وهذا التحول لا يحدث في السحابة فقط، بل في عالمنا الواقعي، وفي تفاصيل يومنا التي لم تكن تُلاحظ من قبل.

التعليقات

أحدث أقدم

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.