منذ أن أعلنت شركة أوبن إيه آي في نهاية عام 2022 عن إطلاق شات جي بي تي، بدأ العالم يدخل مرحلة جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي. ومع الوقت تسللت هذه الأدوات الذكية إلى تفاصيل حياة المستخدمين اليومية، من أداء المهام البسيطة إلى كتابة الأبحاث الجامعية وتحضير مستندات العمل، لكن هذا التوسع السريع أثار موجة من القلق بشأن تدهور المهارات البشرية الأساسية.
مدير مختبر النظرية الرقمية في جامعة نيويورك ليف ويذربي حذّر من تحول المجتمع إلى جيل غير قادر على إنجاز الحسابات أو كتابة الأكواد البرمجية، معتمدًا بالكامل على أدوات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي. ففي تقرير نشرته نيويورك تايمز أشار إلى أن بعض الطلاب تخلوا عن تحليل البيانات بأنفسهم أو كتابة الأكواد، مفضلين ترك كل شيء للأدوات الذكية.
هذه الموجة لا تقتصر فقط على الطلاب، بل امتدت حتى إلى مهندسين مخضرمين مثل أندريه كارباثي الذي جرب توجيه التعليمات الصوتية لكتابة الأكواد ضمن تجربة فايب كودينج، لكنه وجد أن النتائج مليئة بالأخطاء وعاجزة عن تقديم أكواد جاهزة وموثوقة.
ومع أن شركات مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون أعلنت أن أكثر من ربع الأكواد التي تستخدمها مكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي، إلا أن النتيجة قد تكون كارثية على المدى البعيد. أوبن إيه آي نفسها تخطط لاستثمار أكثر من ثلاثة مليارات دولار للاستحواذ على شركة تساعد في تطوير أدوات الذكاء الخاصة بكتابة الأكواد، مما يشير إلى توجهها نحو تقليل الاعتماد على المبرمجين البشريين.
وفي ظل هذا الاتجاه، أظهرت بيانات من مؤسسة سيجنال فاير و زيكي للأبحاث أن التوظيف في مجال البرمجة للمبتدئين توقف تمامًا في كبرى الشركات، بعد أن كانت توظف الآلاف يوميًا. وقد تكون النتيجة طويلة الأمد هي اختفاء الكليات والمعاهد التي تخرج مهندسي البرمجيات والعلماء.
وهكذا فإن مفهوم الأمية ربما يتغير، فلم يعد مرتبطًا بعدم القدرة على القراءة والكتابة، بل أصبح يشمل عدم القدرة على التفكير التحليلي وحل المشكلات باستخدام المهارات الحسابية والمنطقية. الدراسات بدأت تشير بوضوح إلى أن الاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي يضعف القدرات الإبداعية والفكرية للمستخدمين، مما يسرّع تحول المجتمعات إلى كيانات تعتمد على الأتمتة وتفقد مهاراتها الأساسية.
إرسال تعليق