آخر الأخبار

حريق سنترال رمسيس: ملحمة إنسانية وتقنية تكشف نقاط قوة وضعف منظومة الاتصالات في مصر


 في قلب القاهرة، وتحديدًا في مبنى سنترال رمسيس التاريخي، اندلع حريق ضخم أضاء سماء وسط البلد، متسببًا في خسائر بشرية ومادية، وأثر على خدمات الاتصالات والإنترنت الحيوية في مصر. الحريق كشف قصة بطولات رجال الحماية المدنية، وتعقيدات البنية التحتية للاتصالات، والتحديات التي تواجه منظومة الاتصالات في ظل التحول الرقمي السريع.

بداية الحريق وملابساته

في مساء يوم 7 يوليو 2025، نشب حريق في الدور السابع من مبنى سنترال رمسيس، الذي يُعد مركزًا رئيسيًا للشركة المصرية للاتصالات ويخدم آلاف العملاء يوميًا. بالرغم من وجود آليات إطفاء ذاتي ومحاولات يدوية للسيطرة، إلا أن سرعة انتقال النيران عبر الكابلات أدت إلى توسع الحريق ليشمل معظم أدوار المبنى، مما حال دون السيطرة عليه بسهولة. وصلت قوات الحماية المدنية في غضون نصف ساعة، وواجهت تحديات كبيرة بسبب اشتداد النيران وتصاعد الأدخنة الكثيفة.

بطولة رجال الحماية المدنية

برزت في هذه الملحمة الإنسانية عدة قصص بطولية، كان من أبرزها دور الرائد طارق الدسوقي الذي قضى 17 ساعة متواصلة وسط النيران محاولًا إنقاذ الموظفين المحتجزين داخل المبنى، حيث تمكن من إخراجهم واحدًا تلو الآخر من الطوابق العليا وسط أصعب الظروف. كما ظهر الأمين صبري على سلم هيدروليكي وسط درجات حرارة مرتفعة وأدخنة خانقة، مستمرًا في عمليات الإخماد حتى تم السيطرة على الحريق بالكامل.

جهود الاستجابة والتعافي

انتقلت الخدمات التي تأثرت بفعل الحريق إلى سنترالات بديلة على مستوى الجمهورية، حيث تمكنت فرق الطوارئ الفنية من استعادة معظم خدمات الإنترنت الثابت وخدمات المحمول تدريجيًا. رغم توقف عمل سنترال رمسيس، إلا أن شبكة الاتصالات استمرت في العمل بشكل مستقر بفضل التوزيع الجغرافي للسنترالات وتفعيل خطط الطوارئ.

التحقيقات والتبعات القانونية

أجرت النيابة العامة معاينة ميدانية شاملة لموقع الحريق بعد انتهاء عمليات التبريد، وشملت المعاينة المبنى الرئيسي والمبنى الملحق المخصص للاتصالات الدولية. تم الاستماع إلى أقوال المصابين في المستشفيات، وناظرت النيابة جثامين الضحايا الأربعة، وندبت الطب الشرعي لتحديد أسباب الوفاة وسحب عينات الحمض النووي. وأمرت النيابة بتحريات مكثفة للوقوف على سبب اندلاع الحريق ومدى الالتزام بإجراءات السلامة المهنية.

الأثر على الخدمات الحيوية

تأثرت العديد من الخدمات الحيوية بشكل جزئي خلال الحادث، خاصة في قطاع البنوك والبورصة، حيث توقفت جلسة التداول لفترة وجيزة. لكن سرعان ما تم استعادة جميع الخدمات، وتم استئناف العمل بشكل طبيعي. كما بقيت خدمات الطيران والإسعاف والنجدة تعمل بكفاءة مع تخصيص أرقام بديلة لخدمة الإسعاف في المحافظات حتى تم استعادة الاتصالات بالكامل.

متابعة الحكومة والبرلمان

تابع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، الموقف ميدانيًا في "سنترال رمسيس"، حيث استعرض تقريرًا مفصلًا مع وزير الاتصالات عمرو طلعت، ووجه بسرعة إعداد خطة تعافي شاملة. كما شدد على أهمية التأكد من السلامة الإنشائية للمبنى قبل العودة للعمل الكامل. من جانب آخر، عقدت لجنة الاتصالات بمجلس النواب اجتماعًا موسعًا مع وزير الاتصالات لمناقشة ملابسات الحريق، وأكدت على ضرورة وضع استراتيجيات واضحة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث.

تاريخ سنترال رمسيس وأهميته

يعد سنترال رمسيس من أقدم وأكبر مراكز الاتصالات في مصر، بدأ العمل فيه منذ عام 1927، وكان شاهداً على تطور الاتصالات في البلاد من الهاتف اليدوي إلى خدمات الإنترنت الحديثة. المبنى يتكون من 13 طابقًا ويضم محطات كهرباء داخلية ومولدات طوارئ، ويخدم عشرات الآلاف من المستخدمين يوميًا، ما يجعله موقعًا استراتيجيًا حيويًا في بنية الاتصالات الوطنية.

تصريحات المسؤولين

أكد المهندس محمد إبراهيم رئيس قطاع التفاعل المجتمعي بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، أن الحريق لم يؤثر على سنترال رمسيس وحده بل أن هناك توزيعًا جغرافيًا للسنترالات يضمن استمرار الخدمة، مشيرًا إلى أن جميع الخدمات ستعود بكامل طاقتها خلال 24 ساعة. وأكد النائب أحمد بدوي رئيس لجنة الاتصالات بالبرلمان أن السنترال لا يخزن بيانات المواطنين بشكل كامل، مما ينفي بعض الشائعات المتداولة، وأشار إلى ضرورة مراجعة شاملة لخطط الطوارئ.

خاتمة

حريق سنترال رمسيس كان اختبارًا حقيقيًا لقدرة منظومة الاتصالات في مصر على التعامل مع الأزمات الطارئة، وأبرز دور رجال الحماية المدنية والفرق الفنية في مواجهة الكوارث وحماية البنية التحتية الحيوية. الحادث أثار أيضًا نقاشًا مهمًا حول ضرورة تحديث آليات السلامة، وتعزيز خطط الطوارئ، وضمان استمرارية الخدمات في وجه أي تحديات مستقبلية، في ظل التطور السريع والتحول الرقمي الذي تشهده مصر.

التعليقات

أحدث أقدم

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.