آخر الأخبار

هيمنة الحوسبة السحابية وأخطار الاعتماد على شركات محدودة


 يشهد قطاع الحوسبة السحابية نموًا متسارعًا، لكنه لا يزال محصورًا بيد عدد محدود من شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، وعلى رأسها أمازون. وعندما تتعرض إحدى هذه الشركات لعطل تقني، تنتشر تداعياته بسرعة كبيرة نظرًا لاعتماد خدمات الإنترنت على هذه البنية الحيوية.

يشير مصطلح الحوسبة السحابية إلى اعتماد المؤسسات على مراكز بيانات خارجية توفرها جهات متخصصة مثل أمازون ويب سيرفيسز AWS ومايكروسوفت آزور بدلًا من تشغيل خوادم محلية خاصة بها. ويتيح هذا النموذج دفع رسوم شهرية مقابل الموارد المستخدمة، دون الحاجة لاستثمارات ضخمة في البنية التحتية أو تكاليف الصيانة المستمرة.

وزادت أهمية الحوسبة السحابية مع طفرة الذكاء الاصطناعي، خاصةً مع الحاجة إلى قدرات معالجة هائلة لتشغيل روبوتات الدردشة مثل ChatGPT، وقد أكدت أمازون أنها ستستثمر نحو مئة مليار دولار هذا العام لتعزيز بنيتها التحتية الداعمة لهذه التقنيات.

وتتصدر أمازون قائمة مزودي الحوسبة والتخزين السحابي عالميًا عبر ذراعها AWS، تليها مايكروسوفت عبر آزور، ثم جوجل عبر جوجل كلاود، حيث تتحكم هذه الشركات مجتمعة في نحو ثلثي سوق الحوسبة السحابية المعروف باسم البنية التحتية كخدمة IaaS. وتعد هذه الخدمات ركيزة ربحية رئيسية للشركات، إذ أسهمت بحوالي ستين بالمئة من أرباح أمازون العام الماضي، ويتوقع محللون تجاوز إيرادات القطاع في الشركة مئة وستة وعشرين مليار دولار خلال السنة المالية الحالية.

وشهد شهر أكتوبر الماضي انقطاعًا واسعًا في خدمات أمازون السحابية AWS، مما تسبب بتعطل منصات شائعة مثل ChatGPT وسناب شات وواتساب، وواجه مستخدمون صعوبة في الوصول إلى مواقع إلكترونية وخدمات حكومية ومصرفية متعددة، بينما كان تأثيره على الدول العربية محدودًا. وأرجعت أمازون العطل إلى مشكلات في مركز بيانات بولاية فيرجينيا الأمريكية، إذ تسبب خلل في خدمة قواعد البيانات DynamoDB بتوقف مطابقة أسماء المواقع بعناوين بروتوكول الإنترنت، ما أدى إلى تعطل تحميل التطبيقات والصفحات.

امتدت تداعيات العطل إلى بعض الدول الأوروبية، خصوصًا المملكة المتحدة، حيث تأثرت خدمات البيانات التابعة لبورصة لندن وموقع هيئة الضرائب البريطانية وبعض البنوك المحلية. ويشير محللون إلى أن الانقطاعات تحدث بشكل دوري، لكن الخطر الأكبر يكمن في تركّز السوق بيد شركات قليلة، ما يجعل أي عطل مفاجئ يتسبب بخسائر بمليارات الدولارات ويشل قطاعات حيوية من الاقتصاد.

ويحذر خبراء الأمن السيبراني من أن هذا التركيز لا يعرض الاقتصاد العالمي للأعطال التقنية فقط، بل أيضًا لهجمات إلكترونية واسعة النطاق، إذ يمكن لاختراق واحد في شركة كبرى أن يمتد أثره إلى آلاف الشركات حول العالم في لحظات. وقد فتحت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية CMA تحقيقًا في سوق الخدمات السحابية عام ألفين وثلاثة، فيما تحقق لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية FTC في ممارسات مايكروسوفت ضمن هذا القطاع.

ويطالب خبراء التقنية والاقتصاد الرقمي الحكومات بوضع إستراتيجيات وطنية لتقليل الاعتماد على الشركات الأمريكية، من خلال تطوير مراكز بيانات محلية وتعزيز الاستثمارات في البنية السحابية الإقليمية وتنويع مصادر الخدمة لتقليل المخاطر التشغيلية. كما يُوصى بإنشاء أطر تنظيمية صارمة تلزم الشركات الكبرى بالإفصاح عن جاهزية أنظمتها وخطط الاستجابة للأزمات، مع بناء شراكات دولية لحماية الأمن الرقمي وضمان استمرارية الخدمات الحيوية.

مع تزايد اعتماد المؤسسات على الحوسبة السحابية لدعم الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية، يظل التحدي الأكبر ضمان استقرار السوق وتقليل المخاطر الناجمة عن المركزية المفرطة والاعتماد العالي على عدد محدود من الشركات.

التعليقات

أحدث أقدم

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.