في وقت تتسارع فيه التحولات الرقمية وتتجه الاقتصادات العالمية نحو المعرفة والابتكار، لم تعد الروبوتات والأنظمة الذاتية ترفًا تقنيًا، بل أصبحت جزءًا أساسيًا لبناء مستقبل مستدام ومجتمعات ذكية. وفي هذا الإطار، أعلنت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كاوست عن افتتاح مختبر الروبوتات المتكامل روبوتكس باي في أكتوبر، ليشكل خطوة نوعية نحو تمكين المملكة العربية السعودية في مجالات الروبوتات والذكاء الاصطناعي.
يمتد المختبر على مساحة ألف متر مربع، ويهدف إلى تسريع الابتكار التقني وتحويل الأبحاث النظرية إلى تطبيقات عملية تخدم رؤية المملكة 2030، من خلال توطين التقنية وبناء مجتمع قائم على المعرفة والكفاءات المحلية. ويضم مختبر روبوتكس باي بنية تحتية متطورة على مستوى عالمي، تقاربه بمراكز مرموقة مثل جامعة كاليفورنيا في سان دييجو ومعهد كالتيك وجامعة ميشيغان، إذ يحتوي على ساحة تجارب مركزية واسعة ومختبرات متخصصة للبحث والتطوير بقيادة أعضاء هيئة التدريس في كاوست.
صُمم المختبر لاستيعاب منصات روبوتية متعددة الأنماط سواء جوية مثل الطائرات المسيّرة، أو أرضية كالروبوتات المتنقلة، أو تحت الماء، ليتيح للباحثين اختبار أنظمتهم في بيئة متكاملة تحاكي الاستخدامات الصناعية والميدانية. كما يوفر أدوات النمذجة الأولية المتقدمة مثل الطابعات الثلاثية الأبعاد وآلات CNC ومحطات اللحام الدقيقة، ما يمكّن الباحثين من تحويل الأفكار إلى نماذج فعلية بسرعة وكفاءة.
وأكد البروفيسور جيانلوكا سيتي عميد قسم العلوم والهندسة الحاسوبية والكهربائية والحسابية في كاوست أن الروبوتات والأتمتة تمثل ركائز أساسية في خطة التحول الرقمي للمملكة، مشيرًا إلى التزام الجامعة بدفع الابتكار وتطوير حلول ذكية تعزز الاقتصاد الوطني وتوطّن المعرفة في مجالات الروبوتات والذكاء الاصطناعي. ويشرف على المختبر البروفيسور إيريك فيرون والبروفيسور المساعد شينكيو بارك، اللذان يقودان فرقًا بحثية متخصصة في هندسة الطيران والنقل والهندسة الكهربائية، وتركز أبحاثهما على تصميم روبوتات تعاونية متعددة الأنظمة قادرة على العمل في بيئات ديناميكية ومعقدة.
تتنوع الأبحاث لتشمل تقنيات متقدمة مثل الروبوتات الأرضية والجوية السريعة، التعاون بين الإنسان والروبوت، أسراب الروبوتات المتعددة، والروبوتات المخصصة للعمليات البحرية. ويؤكد البروفيسور فيرون أن المختبر يوفر مساحة تطوير مشتركة واستثنائية تتيح للباحثين العمل بالتوازي والاستفادة القصوى من التفاعل المعرفي بينهم.
ويمثل المختبر حلقة وصل بين البحث الأكاديمي والتطبيق العملي، إذ يُسهم في تطوير تقنيات داعمة للمدن الذكية وأنظمة التنقل الذاتي والبنية التحتية المستقبلية والخدمات العامة، وهي ركائز رئيسية في مشاريع المملكة مثل نيوم والقدية. كما يفتح آفاقًا للتكامل مع أرض التجارب لمستقبل النقل، أول منصة متقدمة لتقنيات النقل البري والجوي والبحري داخل حرم كاوست، ما يختصر مدة اختبار التقنيات الجديدة.
ولا يقتصر دور المختبر على البحث العلمي، بل يمتد لتدريب الجيل القادم من المتخصصين في الروبوتات والذكاء الاصطناعي، مما يعزز القدرات الوطنية ويقلل الاعتماد على التقنيات المستوردة، ويصنع ثقافة ريادية وبحثية متقدمة. كما يدعم تطوير تطبيقات عملية في القطاعات الحيوية مثل الخدمات اللوجستية والزراعة الذكية والفحص والصيانة والدفاع، بما يسهم في بناء منظومة وطنية متكاملة لتقنيات الروبوتات.
ويجسد إطلاق مختبر روبوتكس باي رؤية المملكة في التحول من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، حيث تصبح الروبوتات والذكاء الاصطناعي أدوات رئيسية لبناء مدن ذكية واقتصاد رقمي تنافسي يقوده العلماء والمهندسون السعوديون، ويضع المملكة في مصاف الدول الرائدة عالميًا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.

إرسال تعليق