بدأت شركة OpenAI العمل على مشروع سري جديد يحمل اسم ميركوري، تسعى من خلاله إلى تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها على تنفيذ المهام الدقيقة التي يقوم بها المحللون الماليون المبتدئون في البنوك الاستثمارية. المشروع يهدف إلى جعل الأنظمة الذكية قادرة على أداء أعمال التحليل المالي وإعداد العروض التقديمية في وقت قصير جدًا، دون الحاجة إلى إشراف بشري متواصل.
بحسب التقارير، استعانت OpenAI بأكثر من 100 مصرفي سابق من مؤسسات كبرى مثل جي بي مورجان ومورجان ستانلي وجولدمان ساكس، لتدريب الذكاء الاصطناعي على بناء النماذج المالية وتحضير ملفات الطروحات الأولية وإعادة الهيكلة، مع الالتزام بأدق معايير التنسيق التي يتبعها المحترفون في هذا المجال. المشاركون في المشروع يتقاضون 150 دولارًا في الساعة مقابل كتابة النماذج والتعليمات التي تُستخدم لتدريب النظام على محاكاة أسلوب عمل المحللين الحقيقيين، مع ضرورة الالتزام بالتفاصيل الدقيقة مثل طريقة كتابة النسب وحجم الهوامش وطبيعة الخط المستخدم.
هذا المشروع لا يهدف فقط إلى رفع كفاءة العمل، بل يسعى لتقليل الأعباء التي يتحملها عادة المحللون الجدد الذين يعملون لساعات طويلة تتجاوز أحيانًا 100 ساعة أسبوعيًا. ومع ذلك، يثير هذا التطور مخاوف كبيرة حول مستقبل الوظائف في القطاع المالي، إذ إن نجاح الذكاء الاصطناعي في أداء تلك المهام بدقة قد يؤدي إلى الاستغناء عن فئة كاملة من الموظفين المبتدئين الذين يشكلون أساس السلم المهني داخل البنوك الاستثمارية.
لطالما اعتمد هذا القطاع على نظام التدرج الوظيفي الذي يبدأ من المحلل الصغير وصولًا إلى المناصب التنفيذية العليا، ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى المشهد، يبدو أن هذا التسلسل التقليدي مهدد بالتغيير الجذري.
القطاع المالي يعيش اليوم ثورة رقمية غير مسبوقة، فقد أظهر تقرير من شركة EY-Parthenon أن 61% من التنفيذيين في البنوك أكدوا أن تقنيات الذكاء التوليدي أثرت فعليًا على أعمالهم، بينما توقع 89% منهم أن تحقق فوائد أكبر خلال العامين القادمين. وتُستخدم هذه التقنيات بالفعل في مجالات مثل إدارة المخاطر وكشف الاحتيال وتقييم الائتمان وخدمة العملاء، وأسهمت الأتمتة الذكية في تقليل وقت معالجة القروض بنسبة 60% وخفض الأخطاء التشغيلية بنحو 45%.
كما أطلقت مؤسسات مالية كبيرة مثل Goldman Sachs أدوات ذكاء اصطناعي داخلية لتسريع التحليل المالي، ما فتح بابًا واسعًا للنقاش حول مستقبل الوظائف البشرية داخل البنوك. بعض الخبراء يتوقعون أن تشهد السنوات الخمس القادمة إعادة هيكلة شاملة للأدوار التقليدية في القطاع المصرفي.
ورغم كل هذه المكاسب، لا يخلو الأمر من التحديات. فالاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي يثير تساؤلات حول الشفافية وحماية البيانات، إلى جانب خطر التحيز الخوارزمي في القرارات المالية الحساسة. وقد حذر الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI سام ألتمان من أن تقنيات استنساخ الصوت والفيديو القائمة على الذكاء الاصطناعي قد تُستخدم لاختراق أنظمة التحقق الصوتي في البنوك، داعيًا لتطوير وسائل حماية أكثر تطورًا لمواجهة هذا الخطر.
مشروع ميركوري قد يغير ملامح العمل في البنوك الاستثمارية جذريًا، حيث لن يكون الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، بل شريك فعلي قادر على إنجاز مهام التحليل والتنسيق بسرعة ودقة تفوق البشر. لكن رغم ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول الثمن الذي سيدفعه الإنسان، فحين تستغني البنوك عن المحللين الجدد اليوم، من سيقود مؤسساتها غدًا؟

إرسال تعليق