خلصت دراسة علمية حديثة إلى أن الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي قد يمنح الأفراد شعوراً زائفاً بالثقة في قدراتهم العقلية، ما يؤدي إلى المبالغة في تقييم أدائهم المعرفي. وأظهرت الدراسة التي أعدّها فريق بحثي من جامعة آلتو الفنلندية أن هذه الظاهرة تنطبق على جميع المستخدمين، حتى أولئك الذين يمتلكون فهماً متقدماً لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأوضحت نتائج الدراسة المنشورة في دورية Computers in Human Behavior أن تأثير دانينغ-كروجر المعروف في علم النفس، والذي يفترض أن الأشخاص الأقل كفاءة يميلون للمبالغة في قدراتهم بينما يقلل الأذكياء من شأن مهاراتهم، لا ينطبق على مستخدمي النماذج اللغوية الكبيرة مثل ChatGPT. بل على العكس، تبين أن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم أكثر فهمًا للذكاء الاصطناعي بالغوا في تقدير أدائهم بصورة أكبر.
وقال المشرف على الدراسة البروفيسور روبن فيلش إن زيادة الوعي بتقنيات الذكاء الاصطناعي ترتبط بثقة مفرطة في القدرات الذاتية، موضحًا أن الأشخاص المطلعين على الذكاء الاصطناعي لم يكونوا أفضل في تقييم أدائهم عند استخدام الأنظمة الذكية كما كان متوقعًا. وأضاف أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تدهور القدرة على التحقق من المعلومات بشكل مستقل ويقلل من تطوير مهارات الأفراد الوظيفية نتيجة تفريغها للأنظمة الذكية.
ورغم أن الدراسة أظهرت أن أداء الأفراد يتحسن عند استخدام ChatGPT، فإن جميع المشاركين بالغوا في تقدير هذا التحسن، ما يعكس فجوة بين الأداء الفعلي والثقة الذاتية. وأوضحت الباحثة دانييلا دا سيلفا فرنانديز أن أدوات الذكاء الاصطناعي الحالية لا تشجع على التفكير التأملي ولا تتيح للمستخدمين فرصة التعلم من أخطائهم، مؤكدة الحاجة إلى منصات تحفّز المستخدمين على التفكير والمراجعة الذاتية.
وصمّم الباحثون تجربتين شارك فيهما نحو 500 شخص طُلب منهم حل مسائل من اختبارات القبول في كليات الحقوق الأميركية LSAT باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث قُسم المشاركون إلى مجموعتين، استخدمت الأولى أدوات الذكاء الاصطناعي بينما لم تستخدم الثانية. وبعد كل مهمة، طُلب من المشاركين تقييم أدائهم، مع وعد بتقديم مكافآت إضافية لمن يقدم تقييماً دقيقاً.
وأظهرت البيانات أن معظم المستخدمين اكتفوا بنسخ الأسئلة ولصقها داخل النظام دون مراجعة الإجابات، ما يعكس اعتمادهم الكامل على الأداة الذكية، وهو سلوك يعرف بالإزاحة المعرفية حيث يُنقل التفكير بالكامل إلى النظام. وقال فيلش إن هذا المستوى الضحل من التفاعل يقلل من قدرة المستخدمين على ضبط ثقتهم بأنفسهم بدقة، واقترح أن فرض تكرار التفاعل قد يحفز التفكير التأملي ويعزز الوعي الذاتي.
وتوصي الدراسة بتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لتكون أكثر تفاعلاً مع المستخدمين، بحيث يطلب النظام منهم شرح منطق إجاباتهم، ما يجبرهم على التفكير النقدي ومواجهة أوهام المعرفة الزائفة والتفاعل بشكل أعمق مع التقنية.
إرسال تعليق