تعيش شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون سباقًا محمومًا نحو السيطرة على مستقبل الذكاء الاصطناعي، إذ تستعد لإنفاق يقارب 400 مليار دولار خلال العام الحالي، في خطوة تهدف إلى تطوير قدراتها التقنية والوصول إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي العام، الذي يمكن أن يضاهي الذكاء البشري وربما يتجاوزه. ورغم ضخامة الرقم، إلا أن تلك الشركات تعترف بأن المبلغ لا يزال بعيدًا عن تلبية الطموحات.
شركة ميتا أكدت أنها تواجه ما وصفته بـ العطش الحاسوبي، نتيجة الضغط الكبير على قدراتها في تشغيل منتجاتها الحالية وتدريب نماذج ذكاء جديدة في الوقت نفسه. هذا النقص في الطاقة الحاسوبية جعلها تعيش حالة من التحدي المستمر رغم استثماراتها الضخمة في البنية التحتية.
أما مايكروسوفت فأعلنت أن الإقبال المتزايد على خدماتها السحابية تسبب في نقص قدرات المعالجة داخل مراكز البيانات، ما دفعها للتخطيط لمضاعفة بنيتها التحتية خلال العامين المقبلين. وأوضحت المديرة المالية للشركة أن الطلب على خدمات الذكاء الاصطناعي يفوق التوقعات، مما يستدعي استمرار التوسع بوتيرة غير مسبوقة.
من جانبها، تسابق أمازون الزمن لإضافة المزيد من السعات السحابية لتلبية الطلب المتزايد على خدماتها، مؤكدة أن كل توسع جديد يدر عائدًا فوريًا مع بدء تشغيله، وهو ما يجعلها مستمرة في ضخ المزيد من الاستثمارات بلا تردد.
وفي المقابل، أعلنت جوجل أنها بدأت بالفعل في جني الأرباح من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، موضحة أن إيرادات هذا القطاع وصلت إلى مليارات الدولارات خلال الربع الحالي. كما كشفت أن نفقاتها الرأسمالية ستتراوح بين 91 و93 مليار دولار هذا العام، ضمن خطة طويلة الأمد تهدف إلى بناء بنية تحتية قوية ومستدامة.
أما ميتا فتعرضت لانتقادات من المستثمرين بسبب غموض خططها المستقبلية بشأن إطلاق نماذجها ومنتجاتها، مما أدى إلى تراجع أسهمها بنسبة 11%. وأكد مارك زوكربيرج أن الشركة تتبع نهج الاستثمار المكثف في بناء القدرات مسبقًا، حتى وإن تطلب الأمر إبطاء وتيرة التوسع مؤقتًا، مشيرًا إلى أن الهدف هو الوصول إلى جاهزية تشغيلية كاملة قبل إطلاق الجيل الجديد من منتجات الذكاء الاصطناعي.
في المقابل، حققت أمازون وجوجل ترحيبًا واسعًا من المستثمرين بعد إعلان نتائجهما المالية، حيث ارتفعت أسهم جوجل بنسبة 6% وأمازون بنسبة 10%، بينما انخفضت أسهم مايكروسوفت بنحو 3%. ويرى محللون أن هذا التفاوت في الأداء يعكس اختلاف إستراتيجيات الشركات في التعامل مع سباق الذكاء الاصطناعي، بين من يندفع بقوة ومن يوازن بين الإنفاق والعائد.
المحللون يعتقدون أن موجة الإنفاق الهائلة ناتجة عن خوف الشركات من فقدان السباق نحو الذكاء الاصطناعي العام، إلا أن آخرين يشككون في جدوى هذه المليارات، خصوصًا أن معظم المستخدمين لا يدفعون مقابل استخدام التقنيات المتقدمة مثل روبوتات المحادثة ChatGPT، مما يجعل العائد التجاري محدودًا في الوقت الحالي.
وخلال لقاءات المستثمرين الأخيرة، واجهت الشركات أسئلة صريحة حول مدى واقعية هذه الاستثمارات، إذ تساءل بعض المحللين عما إذا كان العالم يعيش فقاعة جديدة شبيهة بفقاعة الإنترنت السابقة، أم أننا أمام تحول حقيقي سيغيّر وجه التكنولوجيا.
آبل من جهتها بدت أكثر حذرًا، إذ أعلنت عن زيادة محدودة في استثماراتها بمجال الذكاء الاصطناعي مقارنة بمنافسيها، مفضّلة التركيز على دمج هذه التقنيات داخل منتجاتها الحالية بدلاً من الدخول في سباق البنية التحتية العملاق.
وفي ظل هذا السباق المحموم، يبقى السؤال مفتوحًا، هل سيقود هذا الإنفاق القياسي إلى قفزة ثورية في قدرات الذكاء الاصطناعي، أم أننا أمام فقاعة جديدة في وادي السيليكون قد تنفجر في أي لحظة؟

إرسال تعليق