شهدت صناعة الألعاب في السنوات الأخيرة توجهًا ملحوظًا نحو تعريب الألعاب بشكل كامل، حيث أصبح تعريب النصوص والأصوات والدبلجة أمرًا شائعًا بين الشركات الكبرى، ما ساهم في إتاحة هذه الألعاب لجمهور أوسع من اللاعبين العرب، وساعدهم على الاندماج في هذا العالم بشكل أفضل.
رغم أن تعريب الألعاب أصبح شائعًا في الفترة الأخيرة، إلا أن هذه الفكرة ليست جديدة تمامًا، فقد كانت هناك محاولات فردية لتعريب بعض الألعاب قبل أن تدخل الشركات الكبرى هذا المجال، حيث ساهمت فرق ومجتمعات عربية في تقديم نسخ معربة من الألعاب، مستخدمةً في ذلك الجهود المستقلة.
مع مرور الوقت، وبتضافر جهود الشركات والمطورين المستقلين، أصبح من المعتاد اليوم رؤية ألعاب تدعم اللغة العربية بشكل كامل، سواء على مستوى النصوص أو الدبلجة، وهو ما يعكس تحولًا في توجه الشركات نحو السوق العربي، الذي بات ينمو بشكل ملحوظ.
البدايات: من "صخر" إلى التعريب المستقل
ارتبط المجتمع العربي بعالم التقنية والحواسيب منذ بداياتها، ويُعد دخول شركة "صخر" عبر تطويرها لـ "مجموعة برامج الأسرة" أحد أهم العلامات في تاريخ دعم اللغة العربية في عالم الألعاب، حيث ضمت المجموعة ألعابًا مثل "برينس أوف بيرشيا" بترجمة عربية كاملة. رغم نجاح "صخر"، إلا أن الشركة اندثرت مع تطور الإنترنت والتقنيات الحديثة، ومع ذلك، عادت اللغة العربية تدريجيًا إلى الواجهة في الـ20 عامًا الأخيرة، مع وجود جهود فردية لتعريب الألعاب.
الفرق المستقلة وتعريب الألعاب
قبل دخول الشركات الكبرى في تعريب الألعاب، كانت الفرق المستقلة هي الأساس في تقديم الترجمات غير الرسمية للألعاب، عبر ترجمة النصوص وإتاحتها للتحميل كملفات إضافية. وكانت هذه الفرق تعمل بشكل رئيسي على الألعاب الخاصة بالحواسيب نظرًا لصعوبة تعديل ملفات منصات الألعاب مثل "بلاي ستيشن" أو "إكس بوكس".
من أبرز الفرق التي عملت في هذا المجال كان فريق "إيه آر تيم"، الذي تأسس في 2019 وقدم العديد من الترجمات لألعاب مثل "ميترو أكسودس" و"ستار وورز: جيداي فولين أوردر". كما برز فريق "غيمز إن آرابيك"، الذي قدّم تعريبات لعدد من العناوين البارزة قبل أن يختفي فجأة في 2022.
دور الشركات الكبرى في تعريب الألعاب
في السنوات الأخيرة، بدأت الشركات الكبرى مثل "يوبي سوفت" و"سوني" في دعم اللغة العربية بشكل أكبر في ألعابها. وتُعد سلسلة "أساسنز كريد" من "يوبي سوفت" من أوائل الألعاب التي دعمت اللغة العربية، نظرًا لتركيزها على الحضارة العربية. كما قدمت "سوني" تعريبًا لألعاب مثل "ديترويت: بيكوم هيومين" و"دايز غون" مع دبلجة كاملة.
في المقابل، دعمت "مايكروسوفت" اللغة العربية في إحدى أشهر الألعاب عالميًا، "ماين كرافت"، ما جعل تجربة اللعبة أكثر سهولة لمستخدمي اللغة العربية. ولا يمكن تجاهل دور ألعاب مثل "بابجي" و"فورتنايت"، التي قدمت دعمًا كاملاً للعربية من خلال الترجمة والدبلجة، بالإضافة إلى تقديم شخصيات وأحداث تتعلق بالمجتمع العربي.
تحديات تعريب الألعاب
رغم النجاحات التي حققتها الشركات في تعريب الألعاب، إلا أن اللغة العربية تظل تحديًا كبيرًا نظرًا لطبيعتها الخاصة. فاللغة تكتب من اليمين لليسار، وتحتاج إلى مساحة عرض أكبر بسبب حجم كلماتها، بالإضافة إلى الأشكال المختلفة للحروف حسب موقعها في الجملة. هذا يزيد من تعقيد عملية تعريب الألعاب ويتطلب جهودًا إضافية من المطورين لضمان عرض النصوص بشكل مناسب.
كما أن أدوات الترجمة الآلية غالبًا ما تفشل في تقديم نتائج مثالية للعربية، ما يجعل الترجمة اليدوية أمرًا ضروريًا. وإضافة إلى ذلك، تحتاج الشركات إلى مراعاة اختلاف اللهجات العربية، كما حدث مع "سوني" عندما استخدمت اللهجة المصرية في لعبة "ديترويت: بيكوم هيومين"، ما أثار استياء الجمهور السعودي.
الفرص المستقبلية لسوق الألعاب العربي
بحسب تقرير "نيكو بارتنرز"، حقق سوق الألعاب العربي مبيعات بلغت 1.92 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 2.65 مليار دولار بحلول 2027. ورغم هذا النمو، فإن نسبة الألعاب التي تدعم اللغة العربية في المتاجر الكبرى مثل "ستيم" لا تتجاوز 3%، ما يترك فرصة كبيرة أمام الشركات للاستثمار في هذا السوق.
بالنظر إلى أن عدد المتحدثين باللغة العربية يتجاوز 420 مليون شخص حول العالم، فإن تقديم دعم للغة العربية في الألعاب يمثّل فرصة ذهبية للشركات للوصول إلى شريحة واسعة من اللاعبين. وبخاصة في السوق السعودي، الذي يمثل القطاع الأكبر من اللاعبين العرب، حيث يفضل 45% من اللاعبين السعوديين الألعاب التي تدعم اللغة العربية.
ختامًا، يمكن القول إن تجاهل دعم اللغة العربية في الألعاب يُفقد الشركات فرصة الوصول إلى شريحة كبيرة من اللاعبين، ويضعها أمام تحديات جديدة، خاصة مع ازدياد أهمية هذا السوق عالميًا.
إرسال تعليق