آخر الأخبار

شركات التكنولوجيا تواصل تسريح الآلاف وتحولات عميقة تعيد تشكيل مستقبل القطاع


 يتواصل مسلسل التسريحات الواسعة في كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم خلال عام 2025، في مشهد يعكس حجم التحولات العميقة التي يشهدها القطاع. من مايكروسوفت إلى إنتل ومن أمازون إلى باناسونيك، تتسابق الشركات العملاقة لإعادة هيكلة عملياتها، مما أدى إلى فقدان أكثر من 62 ألف وظيفة في النصف الأول فقط من هذا العام. هذه التغييرات لا تقتصر على قطاع معين بل تطال مجالات متعددة تشمل أشباه الموصلات، البث، الشبكات الاجتماعية، الذكاء الاصطناعي، والفضاء، مع تقليص واسع في النفقات وتركيز أكبر على الكفاءة التشغيلية وسط أجواء اقتصادية ضبابية.

إنتل كانت الأبرز في هذه الموجة بعدما أعلنت عن نيتها تسريح أكثر من 21 ألف موظف، ما يعادل نحو 20% من قوتها العاملة، في خطوة وُصفت بأنها واحدة من أضخم عمليات التسريح في تاريخ الشركة. يأتي ذلك ضمن إعادة تنظيم كبرى يشرف عليها الرئيس التنفيذي الجديد ليب بو تان، وتشمل كذلك تسريح نسبة تصل إلى 20% من العاملين في قسم إنتل فاوندري المختص بخدمات التصنيع الخارجي لأشباه الموصلات. هذه القرارات تسبق إعلان نتائج الربع الأول وتعكس رغبة الشركة في خفض التكاليف والتركيز على القطاعات الأكثر حيوية.

باناسونيك اليابانية اتخذت قرارًا مشابهًا بإنهاء خدمات عشرة آلاف موظف حول العالم، نصفهم داخل اليابان، ضمن خطة لإعادة توجيه أنشطتها بعيدًا عن القطاعات التقليدية نحو مجالات ناشئة مثل الذكاء الاصطناعي. رئيسها التنفيذي يوكي كوسومي أشار إلى أن هذه الخطوة رغم صعوبتها ضرورية لضمان جاهزية الشركة للعقود القادمة، معتبرًا أن تخفيض الهيكل التشغيلي بات أمرًا لا بد منه.

مايكروسوفت بدورها طبقت استراتيجية تسريح على مراحل بدأت في مايو بتقليص أكثر من 6500 وظيفة، أي حوالي 3% من طاقمها العالمي. التسريحات شملت مهندسين، مديري منتجات، وخبراء قانونيين، مع تسريبات تفيد بأن موجات إضافية قادمة تستهدف بالأساس الموظفين غير التقنيين من أجل رفع نسبة المبرمجين داخل الشركة وتحسين كفاءة العمليات.

ميتا المالكة لفيسبوك انضمت إلى الموجة بإلغاء نحو 3600 وظيفة، أي ما يعادل 5% من موظفيها، مستهدفةً ما وصفهم مارك زوكربيرج بـذوي الأداء المنخفض. العمليات شملت فرق العمل المسؤولة عن فيسبوك، منصة Horizon للواقع الافتراضي، والأقسام اللوجستية، فيما تم تسريح أكثر من 100 موظف إضافي من قسم Reality Labs المسؤول عن تطوير سماعات الرأس Quest.

في السياق ذاته، أعلنت HP عن خطة لإعادة هيكلة شملت تسريح قرابة 2000 موظف، في محاولة لتوفير 300 مليون دولار قبل نهاية سنتها المالية. هذا التوجه يأتي في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الشركة في سوق الحواسيب والطابعات، مع توجهها نحو أعمال أكثر ربحية وتركيزها على تقنيات المستقبل.

أما جوجل وأمازون فقامتا بإجراءات متفرقة لكنها مستمرة، حيث سرّحت جوجل مئات الموظفين في أقسام رئيسية مثل وحدة الأعمال العالمية، ومتصفح كروم، وهواتف بيكسل، كما أطلقت برنامج مغادرة طوعي لموظفيها في الولايات المتحدة ضمن جهود إعادة التنظيم. أمازون كذلك استغنت عن مئات الموظفين في أقسام الأجهزة، المساعد الصوتي أليكسا، خدمات الزوكس للسيارات الذاتية القيادة، وأقسام الاتصالات، ضمن حملة تهدف إلى تسريع وتيرة العمل وتحسين ثقافة الشركة.

ولم تسلم الشركات الناشئة في الفضاء من هذه الموجة، فقد أعلنت بلو أوريجين عن تسريح أكثر من ألف موظف، بما يشكل 10% من إجمالي العاملين، وسط سعيها لزيادة الإنتاجية والسرعة في إطلاق المشاريع. الرئيس التنفيذي ديفيد ليمب اعترف بأن النمو السريع ولّد نوعًا من البيروقراطية الزائدة، ما استدعى إعادة تشكيل داخلية تركز على الأولويات التنفيذية.

في الوقت نفسه، استغنت سيلزفورس عن أكثر من 1000 موظف رغم نتائجها المالية القوية، ضمن تحول استراتيجي يركز على توسيع مبيعات منتجات الذكاء الاصطناعي. الشركة أكدت أنها تواصل التوظيف في الأقسام المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بينما أتاحت للموظفين المتأثرين بالتسريح فرصة التقديم على وظائف جديدة داخلية في الشركة.

وبينما تستثمر شركات التكنولوجيا مليارات الدولارات في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، يتكشّف الوجه الآخر لهذه الثورة التقنية، حيث تُدفع آلاف الوظائف ثمنًا باهظًا لهذا التقدم. ويبدو أن هذه الموجة المستمرة من التسريحات ستُعيد تشكيل مشهد التوظيف في التكنولوجيا لسنوات قادمة، في ظل بحث مستمر عن الكفاءة القصوى والنمو المتسارع دون هوادة.

التعليقات

أحدث أقدم

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.