في زمن يهيمن فيه الذكاء الاصطناعي على أدوات التفكير والبحث، كشفت دراسة حديثة عن مفاجأة مدوية، وهي أن التعاون البشري ما يزال يتفوق بوضوح في ميدان الإبداع مقارنةً بالتعاون مع أدوات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي أو حتى الاعتماد على محركات البحث مثل جوجل.
الدراسة التي أجراها باحثون في معهد جامعة شافهاوزن، بقيادة مين تانغ، وجدت أن مجموعات من الأشخاص يعملون معًا كانوا قادرين على إنتاج أفكار أكثر أصالة وابتكارًا، مقارنةً بالمجموعات التي استعانت بالأدوات الرقمية أو الذكاء الاصطناعي التوليدي. وتأتي هذه النتائج في وقت تتسارع فيه وتيرة دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في شتى جوانب الحياة اليومية، ومعها تتصاعد التساؤلات حول مدى قدرتها على تعزيز الإبداع البشري، أو حتى منافسته.
شارك في هذه الدراسة أكثر من مئتي طالب جامعي من ألمانيا، معظمهم من طلاب إدارة الأعمال، وقُسّموا إلى مجموعات خضعت لأربعة أنماط مختلفة من التعاون. كان من بينها التعاون البشري البحت، والتعاون مع محرك بحث جوجل، والتعاون مع شات جي بي تي، حيث تلقت كل مجموعة تعليمات مختلفة لتقييم التفاعل والأداء.
طُلب من كل مجموعة تنفيذ مهام إبداعية، مثل ابتكار استخدامات غير تقليدية لأدوات مألوفة كالملعقة أو الشوكة، وتخيل عواقب سيناريوهات غريبة كعالم بلا طعام، وأداء تمارين لحل مشكلات بطرق غير مألوفة. وبعد الانتهاء من هذه المهام، قيّم المشاركون تجاربهم وثقتهم بقدراتهم الإبداعية، بينما قيّم الأداء خبراء بشريون ونظام تقييم آلي يعمل بنموذج لغوي متقدم.
النتائج كانت واضحة، حيث تفوقت الفرق البشرية بشكل لافت في توليد الأفكار المتشعبة، وهي النوع من التفكير الذي يستكشف مسارات وبدائل متعددة. أجوبة هذه الفرق وُصفت بأنها الأكثر أصالة وذكاءً، خاصة في مهمة الاستخدامات البديلة، حيث كانت الفجوة الإبداعية بين البشر وبقية المجموعات الأكبر على الإطلاق.
ومن المثير أيضًا أن المشاركين في الفرق البشرية أبدوا تحسنًا في ثقتهم بقدرتهم على الإبداع، بينما لم يحدث ذلك مع المجموعات التي تعاونت مع شات جي بي تي أو اعتمدت على جوجل. ويبدو أن مجرد العمل مع إنسان آخر قادر على توليد الإلهام والثقة، بعكس الذكاء الاصطناعي الذي رغم قوته، لم يمنح المستخدمين الشعور بأن الأفكار نابعة منهم.
المفارقة أن المشاركين الذين استخدموا شات جي بي تي، اعتبروا الذكاء الاصطناعي هو من قام بمعظم الجهد الإبداعي، ونسبوا إليه الفضل فيما تم إنتاجه، بينما رأى مستخدمو جوجل أنهم هم من قادوا دفة الإبداع، وهو ما يعكس اختلافًا كبيرًا في طريقة إدراك مساهمة الطرف الآخر في العملية الإبداعية.
رغم هذه النتائج، يحذر الباحثون من التعميم، لأن الدراسة ركزت على نوع محدد من الإبداع وهو التفكير المتشعب، الذي يهتم بالأفكار الغريبة والجديدة، بينما لم تكن الفروقات واضحة عند التعامل مع مشكلات تحتاج إلى حلول عملية. كما أُجريت الدراسة في بيئة مخبرية، ولم تتناول التفاعلات المعقدة والطبيعية بين البشر والذكاء الاصطناعي كما تحدث في الواقع اليومي.
الباحثون دعوا إلى دراسة هذه التفاعلات عن قرب لفهم لماذا لا يزال الذكاء الاصطناعي محدودًا في توليد الإبداع، ولماذا يشعر الناس أحيانًا بأن الأفكار الناتجة عنه لا تُعبّر عنهم بشكل حقيقي.
إرسال تعليق