أعلنت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كاوست عن شراكة استراتيجية مع شركة ديجي لاب لتطوير أول نموذج ذكاء اصطناعي مخصص لحماية الشعاب المرجانية وترميمها. هذه الخطوة تمثل امتدادًا لطموح سعودي علمي في تسخير التقنيات الحديثة من أجل إنقاذ واحدة من أكثر المنظومات البيئية حساسية وتنوعًا.
المبادرة التي تقودها كاوست تحت اسم إحياء الشعاب المرجانية تهدف إلى زراعة مليوني قطعة مرجانية في البحر الأحمر بحلول نهاية العقد الحالي. المشروع يعتبر الأكبر من نوعه عالميًا، ويعتمد على مزيج من الابتكار العلمي والدقة التقنية، حيث تمتد مساحته على نحو مئة هكتار ويشمل إنشاء حضانة مرجانية قادرة على إنتاج مئات الآلاف من الشعاب سنويًا.
الشراكة مع ديجي لاب تفتح المجال أمام دمج الذكاء الاصطناعي بعمق داخل عمليات المراقبة والتحليل والتنبؤ، حيث تتيح أدوات المنصة التنبؤ بسلوك الشعاب المرجانية لحظيًا، سواء في البيئات الطبيعية أو في المشاتل، مما يمنح العلماء قدرة فريدة على متابعة التغيرات الدقيقة واتخاذ قرارات فورية لحمايتها.
أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تم تطويرها خصيصًا لهذا الغرض تُستخدم للكشف عن مؤشرات خطرة مثل نمو الطحالب أو علامات الإصابة بالأمراض، كما تعمل على تحليل عوامل المرونة كتحمل الحرارة وسرعة النمو، وهي معلومات أساسية لضمان استمرارية الشعاب في مواجهة التغيرات المناخية المتسارعة.
المثير في هذا التحول أن الأدوات الرقمية لم تكتف برفع كفاءة المراقبة فحسب، بل قللت أيضًا الوقت والتكاليف بشكل كبير، حيث يمكن اختصار فترة التقييم من شهرين إلى أسبوعين فقط، بفضل تقنيات الرؤية الحاسوبية وتحديد المواقع المثلى لأجهزة الاستشعار، مما يحسّن دقة جمع البيانات ويوجهها بشكل أكثر فاعلية.
ومن خلال منصة chatReef التابعة لشركة ديجي لاب، ستُدار نسخة رقمية ضخمة تحاكي الشعاب المرجانية بحجم هائل يصل إلى اثنين وعشرين بيتابايت، ما يسمح بتحليل معمق واتخاذ قرارات دقيقة بالاعتماد على بيانات حيوية يتم جمعها باستمرار حول المشكلات البيئية مثل انتشار الأمراض وتكاثر الطحالب.
الشراكة يقودها فريق علمي متكامل على رأسه الدكتورة ليز جورجن من مبادرة KCRI، وبقيادة الدكتور أنهاد ساندو الشريك المؤسس في ديجي لاب، حيث يُتوقع أن تستغرق عملية الدمج عامين تقريبًا، يتم خلالهما تسريع وتيرة الترميم والوصول إلى نطاق غير مسبوق في حماية الشعاب.
ويؤكد البروفيسور ديف سوجيت، مدير المبادرة، أن هذا التعاون سيساعد كاوست على تتبع وتطوير خطط الترميم بشكل لحظي، بفضل الذكاء الاصطناعي الذي بات يشكل أداة مركزية في إعادة رسم مستقبل الشعاب المرجانية عالميًا.
تُعد هذه المبادرة نقلة نوعية ليس فقط في سياق البحث العلمي، بل في كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي كعنصر رئيسي في تحقيق الاستدامة البيئية. النموذج الذي تبنيه كاوست بالتعاون مع ديجي لاب قد يتحول إلى مرجع عالمي في ترميم الشعاب المرجانية، ويعيد الأمل في إنقاذ هذه الكائنات البحرية الدقيقة التي تشكل أساس الحياة في المحيطات.
السعودية اليوم، من خلال كاوست، لا تكتفي بالتفاعل مع التحديات البيئية، بل تصنع حلولًا قابلة للتطبيق حول العالم، وتؤسس لمستقبل تكون فيه التقنيات المتقدمة شريكًا حقيقيًا للطبيعة في رحلتها للبقاء.
إرسال تعليق