آخر الأخبار

رحلة التنبؤ بالمستقبل في عالم التكنولوجيا


 لطالما سحر الإنسان حلم استشراف المستقبل، مدفوعا بفضول لا ينتهي وشغف لمعرفة ما يخبئه الغد والتحكم بمصيره. وفي عالم التكنولوجيا المتسارع، تتوالى التوقعات بوتيرة عالية، بعضها يصيب الهدف ويغير وجه العالم، وبعضها يخفق ويصبح مادة للسخرية والتندر.

تُظهر التنبؤات الفاشلة مدى صعوبة التكهن بمسارات التكنولوجيا وتأثيرها العميق على المجتمع. فقد بدا مستحيلا في زمن ما، وأصبح واقعا ملموسا بعد سنوات قليلة. في عام، صرح أحد علماء الفيزياء أن الطيران الأثقل من الهواء مستحيل، وبعد 8 سنوات فقط، حقق الأخوان رايت أول رحلة ناجحة، مغيرين بذلك وجه النقل والسفر للأبد. وفي ثلاثينيات القرن الماضي، توقعت صحيفة كبرى أن صواريخ الغلاف الجوي لن تغادر الأرض أبدا، لكن الحرب العالمية الثانية شهدت اختبارات صاروخية تجاوزت توقعاتهم، ومهدت الطريق لرحلات الفضاء التي أخذت البشر إلى القمر.

لم تسلم وسائل الإعلام والترفيه من الأخطاء أيضا، فقد قال مسؤول في صناعة السينما إن التلفزيون لن يدوم، لكن التلفزيون أصبح الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشارا لعقود وما زال جزءا من حياتنا اليومية. وفي الستينيات، شكك البعض في فاعلية أقمار الاتصالات الفضائية، لكن بعد سنوات قليلة دخل أول قمر صناعي تجاري الخدمة لتصبح الأقمار الصناعية حجر الزاوية في الاتصالات العالمية.

حتى الحواسيب والإنترنت لم تسلم من التوقعات الخاطئة، فقد اعتقد مؤسس إحدى شركات التقنية أنه لا أحد يحتاج إلى حاسوب في المنزل، وانتشر الحاسوب الشخصي ليصبح أداة لا غنى عنها في كل بيت. وتوقع مخترع الإيثرنت انهيار الإنترنت، لكن الشبكة ازدهرت وأصبحت جزءا أساسيا من حياتنا، فيما كان ستيف جوبز مترددا بشأن اشتراكات الموسيقى عبر الإنترنت، واليوم منصات مثل سبوتيفاي وأبل تحقق نجاحا كبيرا في هذا المجال.

على الجانب الآخر، تميزت بعض التوقعات بدقة مذهلة، فقد تنبأ نيكولا تسلا بإمكانية إرسال رسائل لاسلكية ورؤية الآخرين وسماعهم رغم المسافات البعيدة، وتحقيق ذلك جاء مع انتشار الهواتف الذكية عام. كما توقع آرثر سي كلارك وجود محطة منزلية متصلة بالشبكة العالمية للمعلومات، وما تحقق تدريجيا مع انتشار الحواسيب الشخصية والإنترنت في منتصف التسعينيات. أما آلان كي فطرح مفهوم أجهزة إلكترونية متعددة الاستخدامات، وتحولت توقعاته إلى واقع مع ظهور أجهزة كيندل وأجهزة آيباد التي غيّرت طريقة استهلاكنا للمحتوى الرقمي.

وتنبأت بعض الرؤى بانتشار العمل عن بعد والمكاتب الإلكترونية، ما تحقق بعد جائحة كورونا، بينما توقع بعض خبراء التكنولوجيا في التسعينيات أن الحواسيب ستتفوق على البشر في مهام معينة، كما حدث مع الحواسيب التي هزمت أبطال العالم في الشطرنج. وبيل غيتس توقع أن الإنترنت سيكون المصدر الرئيسي للمعلومات، وتحقيق ذلك جاء مع صعود محركات البحث مثل جوجل.

لا تزال هناك توقعات كبيرة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فقد تحدث آلان تورنغ عن تفوق الآلات على التفكير البشري قبل ظهور الذكاء الاصطناعي بشكل ملموس، وتنبأ مستقبليون مثل راي كرزويل بتحقيق ذكاء اصطناعي بمستوى البشر وبلوغ مرحلة التفرد التكنولوجي، مع توقعات بإطالة العمر البشري ودمج الوعي البشري مع الآلات خلال العقود المقبلة. كما ناقش علماء الشيخوخة كيفية التحكم بعمر الإنسان وإمكانية تجديد الأجسام بشكل دوري، مع توقعات بتحقيق ذلك خلال العقدين المقبلين.

ورغم التفاؤل، ثمة تحذيرات من بعض الخبراء بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في الأسلحة، لما قد يسببه من مخاطر على الأمن العالمي وحقوق الإنسان، وهو ما دعا آلاف الباحثين وقادة الفكر لوضع ضوابط وإشراف بشري صارم على هذه التكنولوجيا.

ختاما، تبقى رحلة الإنسان في استشراف المستقبل حافلة بالمفاجآت والدروس، وغالبا ما يكون مسار التطور أكثر تعقيدا وإثارة من أي توقع بشري، مما يجعلنا نتساءل عن صحة التنبؤات الكبرى، وهل سنشهد يوما تحقق الرؤية التي تقول إن أول آلة فائقة الذكاء قد تكون آخر اختراع يحتاج الإنسان لصنعه.

التعليقات

أحدث أقدم

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.