عاش لاري إليسون حياة مليئة بالبذخ والفخامة يخوت ضخمة وطائرات خاصة وعقارات فاخرة وامتلاك جزيرة في هاواي، لكنه لم يبدأ هكذا بل تحول من مبرمج هاوٍ يمتلك ألفي دولار فقط إلى واحد من أكثر الشخصيات نفوذاً في عالم التكنولوجيا والإعلام. إليسون ثاني أغنى رجل في العالم بعد إيلون ماسك بثروة تقدر بمئات المليارات، وجاءت غالبية ثروته من شركته الشهيرة أوراكل التي أسسها في بداية حياته مع شركاء آخرين وقادها من شركة ناشئة إلى عملاق في وادي السيليكون.
ولد إليسون في نيويورك عام 1944 لأم يهودية ووالده طيار في سلاح الجو الأميركي، ومرّ بسنوات مضطربة قبل أن يلتحق بجامعة إلينوي ويترك الدراسة بعد وفاة والدته بالتبني، ثم قضى فترة قصيرة في جامعة شيكاغو قبل أن ينتقل إلى كاليفورنيا حيث عمل مبرمجاً لعدة شركات حتى التقى بزميليه بوب مينر وإد أوتس وأسّس معهم شركة صغيرة لتطوير البرمجيات أطلقوا عليها لاحقاً اسم أوراكل.
بدأ إليسون وفريقه العمل على برنامج لإدارة قواعد البيانات وحصلوا على عقد من وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وما زالت أوراكل تحتفظ بعلاقات قوية مع الوكالات الأمنية منذ عقود. سرعان ما أصبح برنامج أوراكل معروفاً وشائعاً، وتوسعت الشركة لتصبح أكبر شركة لإدارة قواعد البيانات في العالم قبل نهاية ثمانينات القرن الماضي.
في التسعينيات حاول إليسون منافسة مايكروسوفت بفكرة الحاسوب الشبكي التي اعتبرها سابقة لأوانها، لكن رهانه الأكبر كان على الإنترنت وخدماته، ما جعل أوراكل تتوسع بشكل هائل مع مطلع الألفية واستحوذ إليسون على عشرات الشركات بمليارات الدولارات ليحوّل شركته إلى عملاق متكامل للبنية التحتية السحابية والخدمات البرمجية.
استقال إليسون من منصب الرئيس التنفيذي في عام ألفين وأربعة عشر مع استمرار مشاركته في الشركة كرئيس لمجلس الإدارة ورئيس قسم التقنية، لكن أوراكل استمرت في النمو حتى وصلت قيمتها السوقية إلى مئات المليارات وتصبح مزوداً أساسياً لخدمات الحوسبة السحابية وتخزين البيانات، خصوصاً مع الطفرة في مجال الذكاء الاصطناعي.
إلى جانب نجاحه في التكنولوجيا، أصبح إليسون لاعباً أساسياً في الإعلام والسياسة، حيث كان مساهماً رئيسياً في تسلا وداعماً لإيلون ماسك في شراء تويتر ويحتفظ بعلاقات وثيقة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وكان متبرعاً للحزب الجمهوري. وقد كافأ ترامب أوراكل بمنحها أدواراً مهمة مثل الإشراف على بيانات مستخدمي تيك توك الأميركيين، ما عزز مكانة الشركة كمزود للبنية التحتية السحابية وخدمات التخزين عبر الإنترنت.
ويعد إليسون جزءاً من مشروع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بقيمة ضخمة يعرف باسم ستارغيت، كما يسعى من خلال استحواذ أوراكل على حصة جزئية في تيك توك أميركا إلى الإشراف على بيانات المستخدمين الأميركيين وتقديم خدمات الحوسبة السحابية، مع إشراف مباشر منه.
كما يخطط إليسون لتوسيع إمبراطوريته الإعلامية عبر محاولات لشراء شركات ضخمة مثل باراماونت وسي بي إس وسي إن إن وإتش بي أو ليصبح واحداً من أكثر الشخصيات نفوذاً في صناعة الإعلام والترفيه الأميركية. ويعرف عنه أنه لا يعتبر الخصوصية إلا عقبة صغيرة أمام طموحاته الكبيرة، ويعمل على دمج قواعد بيانات ضخمة لتغذية أنظمة الذكاء الاصطناعي ما يثير مخاوف بعض المدافعين عن حرية التعبير.
إلى جانب ذلك، يُعرف إليسون بدعمه القوي لإسرائيل وشارك بتبرعات كبيرة ومنح دعماً لمشروعات مثيرة للجدل في الأراضي الفلسطينية، وأقام علاقات شخصية وثيقة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ما جعل نشاطاته موضع جدل واسع وانتقادات من الفلسطينيين ونشطاء إسرائيليين وعلماء آثار.
في ظل هذه الشبكة المعقدة من الاستثمارات التكنولوجية والإعلامية، يرى مراقبون أن إليسون يسعى لبناء نظام يسيطر على تدفق المعلومات في الولايات المتحدة والعالم، وإذا ما اكتملت صفقات أوراكل في تيك توك والاستحواذ الإعلامي، فإنه سيكون رأس الحربة في المعركة الإعلامية التي تستهدف المنصات الاجتماعية المستخدمة من مئات الملايين من الشباب الأميركيين.
إرسال تعليق