آخر الأخبار

الذكاء الاصطناعي يهدد مهارات التواصل لدى المراهقين


 في زمن تتسارع فيه وتيرة الذكاء الاصطناعي، لم تَعُد تأثيراته محصورة على مجالات العمل والتعليم والصحة فقط، بل امتدت لتصل إلى عمق العلاقات الإنسانية وطبيعة التواصل بين الناس، خصوصًا لدى المراهقين. فهذه التقنية التي بدأت تُغيّر شكل العالم قادرة أيضًا على إعادة تشكيل الطريقة التي يتفاعل بها الشباب مع محيطهم، وربما تحدّ من نمو مهاراتهم الاجتماعية الحقيقية التي يحتاجون إليها لبناء علاقات واقعية ومتوازنة.

الكثير من المراهقين يجدون في روبوتات المحادثة الذكية متنفسًا آمنًا للتعبير عن مشاعرهم أو البحث عن دعم نفسي دون خوف من الحكم أو الرفض، لكن الخبراء يحذرون من أن هذا النوع من التفاعل قد يجعل الجيل الجديد أقل قدرة على التواصل الإنساني الطبيعي، لأنهم يعتادون على حوارات تتمحور حول ذواتهم ولا تتطلب جهدًا أو تفهمًا للطرف الآخر.

تشير الدراسات الحديثة إلى أن التواصل المباشر بين المراهقين أخذ في التراجع منذ عام 2019، إذ أصبح معظمهم يفضلون التواصل عبر التطبيقات أو مواقع التواصل الاجتماعي بدل اللقاءات الواقعية. وفي استطلاع لمركز بيو للأبحاث عام 2024، ذكر قرابة نصف المشاركين من المراهقين أنهم يتفاعلون عبر هذه المنصات بشكل شبه دائم، وهو ما يعكس تحوّلًا واضحًا في نمط التواصل اليومي. لكن التواصل مع الذكاء الاصطناعي يختلف تمامًا، فهو يزيل العنصر البشري بالكامل ويحوّل العلاقة إلى تفاعل أحادي الجانب مع آلة.

بيانات مؤسسة Common Sense Media كشفت أن 72% من المراهقين استخدموا روبوتات الذكاء الاصطناعي مرة واحدة على الأقل شهريًا، وأكثر من نصفهم يتفاعلون معها بانتظام، فيما أوضح 33% أنهم يستخدمونها لأغراض اجتماعية مثل التدريب على المحادثة أو الحصول على دعم نفسي أو حتى الدردشة كأصدقاء. هذا الرقم يعكس مدى انتشار الاعتماد على هذه التقنية كمصدر عاطفي جديد لدى الجيل الصاعد.

ورغم أن الذكاء الاصطناعي قد يبدو أكثر تفهمًا في بعض المواقف من البشر، بل إن بعض الدراسات أظهرت أن ردوده الطبية أو النفسية بدت أكثر تعاطفًا وجودة من إجابات الأطباء، إلا أن ذلك لا يعني أنه بديل للعلاقات الإنسانية. فالعلاقة مع الذكاء الاصطناعي لا تتطلب عطاءً متبادلًا، ولا تُحفّز مهارات الصبر أو الإصغاء أو المشاركة، بل تخلق نوعًا من الراحة المزيفة التي تجعل الإنسان أقل استعدادًا لتحمّل تعقيدات العلاقات الواقعية.

العلاقات البشرية تقوم على تبادل المشاعر والإفصاح المتبادل، وهي عناصر غائبة في التفاعل مع الآلات مهما بلغت واقعية ردودها. لذلك فإن الاعتماد المفرط على روبوتات المحادثة قد يضعف تدريجيًا قدرة المراهقين على فهم الآخرين أو التعامل مع المواقف الاجتماعية المعقدة.

دراسات تعود إلى عام 2002 و2004 كانت قد وجدت أن الأشخاص الخجولين أو القلقين اجتماعيًا كانوا أكثر راحة في التفاعل عبر الإنترنت، مما ساعدهم لاحقًا على بناء ثقة بأنفسهم. لكن هذا لا ينطبق على الذكاء الاصطناعي، لأن التواصل معه لا يحمل أي تبادل إنساني حقيقي. بل قد يؤدي الإفراط في استخدامه إلى العزلة الاجتماعية والقلق في المواقف الواقعية رغم الراحة التي يمنحها افتراضيًا.

الذكاء الاصطناعي يقدم تجربة تواصل سهلة وسريعة ومليئة بالتعاطف الظاهري، ما يجعله خيارًا جذابًا للمراهقين الباحثين عن الأمان العاطفي، لكنه في الوقت نفسه يهدد بضعف المهارات الاجتماعية لديهم ويجعلهم أقل استعدادًا للتفاعل الحقيقي مع الناس. أما البالغون الذين اكتسبوا خبرة في التواصل الواقعي، فقد يكون تأثير ذلك فيهم أقل حدّة، لكن الخطر الأكبر يظل قائمًا على الجيل الذي يتعلّم كيف يتحدث إلى الآلة أكثر مما يتحدث إلى الإنسان.

التعليقات

أحدث أقدم

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.