يتزايد حضور الذكاء الاصطناعي في المؤسسات التعليمية يومًا بعد يوم، حتى أصبح جزءًا أساسيًا من تجربة التعلم الحديثة. ومع توسّع استخدام أدوات مثل ChatGPT وClaude، برزت أيضًا منصات تعليمية متخصصة مثل Khanmigo من أكاديمية خان وALEKS، التي تقدم للطلاب تجربة تعليمية تتكيف مع مستواهم وتمنحهم تغذية راجعة مستمرة ترفع من شعورهم بالكفاءة وتدعم إحساسهم بالتطور والتحسن.
عندما يستخدم الطالب روبوتًا يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي ويحصل على تشجيع فوري واقتراحات دقيقة، تتدفق الأفكار بسلاسة ويتطور أسلوبه في الكتابة بشكل ملحوظ، لكن بمجرد اختفاء هذا الدعم، يشعر بعض الطلاب بانخفاض الحافز والرغبة في إنجاز مهامهم الدراسية. وهنا يظهر السؤال الكبير: هل يعزز الذكاء الاصطناعي دافعية الطلاب فعلًا أم أنه مع الوقت يضعف حماسهم الداخلي؟
حتى الآن، لا يوجد جواب قاطع، فالتأثير بعيد المدى لاستخدام هذه الأدوات ما يزال غامضًا، ما دفع الباحثين في علم النفس التربوي إلى تكثيف دراساتهم لكشف هذا الأثر. وتشير بعض الأدلة إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يرفع الدافعية الأكاديمية في ظروف معينة، فقد أظهرت دراسة حديثة أن الأدوات عالية الجودة التي توفر تفاعلًا حقيقيًا مع الطلاب تسهم في تعزيز ثقتهم بقدرتهم على الإنجاز، وهي ما يعرف بالكفاءة الذاتية.
وفي دراسة أخرى حول تعلم اللغات، أظهر الطلاب الذين استخدموا أنظمة ذكاء اصطناعي مستويات أعلى من المتعة وأقل من القلق مقارنة بالطرق التقليدية، مع تحسن ملحوظ في الثقة بالنفس. كما أكدت بحوث شملت طلابًا من مصر والسعودية وإسبانيا وبولندا أن الأثر الإيجابي كان أقوى عندما ركزت الأدوات على تعزيز الاستقلالية والتفكير النقدي والتعلم الذاتي.
وتتفق هذه النتائج مع مراجعات موسعة أظهرت أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قادر على رفع مستويات الانخراط المعرفي والعاطفي والسلوكي لدى الطلاب. وفي تحليل أجرته جامعة ألاباما شمل 71 دراسة، تبين أن الأثر الإيجابي في دافعية الطلاب كان متوسط القوة لكنه واضح، خاصة عند استخدام الأدوات بانتظام مع إشراف المعلمين، مع احتفاظ الطلاب بحرية اختيار طريقة استخدام الأداة، شريطة أن تكون النتائج دقيقة وموثوقة.
لكن في المقابل، أشارت الدراسات إلى أن أكثر من نصف الأبحاث تفتقر إلى إطار علمي متين أو تعتمد منهجيات ضعيفة، ما يجعل الصورة غير مكتملة. كما أن بعض الدراسات أظهرت نتائج مقلقة، إذ بيّنت أن التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي قد يحسّن الأداء لكنه يقلل من الدافعية الذاتية بعد التوقف عن استخدام الأداة، حيث عبّر الطلاب عن شعور بالملل ورضا أقل عن تجربة التعلم.
وفي حالات أخرى، لم تؤد زيادة الأداء إلى ارتفاع دائم في الحافز، إذ تبين أن الذكاء الاصطناعي حين يقدم إجابات غير دقيقة أو ينتزع من الطالب شعوره بالتحكم في عملية التعلم، فإن الحماس يتراجع بسرعة. بذلك يصبح الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان أشبه بعكاز يعتمد عليه الطالب بدلًا من أن يكون وسيلة لتنمية قدراته الذاتية.
وتوضح نتائج جامعة ألاباما أن الذكاء الاصطناعي يكون أكثر فاعلية عندما يستخدم الطلاب الأداة بانتظام وتحت إشراف المعلمين، ويشعرون بحرية اتخاذ القرار، وتكون التغذية الراجعة التي يحصلون عليها دقيقة ومفهومة. كما أن الأدوات المتخصصة مثل ALEKS وKhanmigo أثبتت فاعلية أكبر في تعزيز المثابرة مقارنة بالأدوات العامة مثل ChatGPT وClaude، خاصة في المواد العلمية والكتابية.
الذكاء الاصطناعي في التعليم يمثل فرصة كبيرة إذا أُحسن استخدامه، لكنه قد يتحول إلى تحدٍ إذا اعتمد عليه الطلاب بشكل مفرط. فهو قادر على تحفيز المتعلمين وإشعال شغفهم بالمعرفة حين يدعم شعورهم بالكفاءة والاستقلالية، لكنه في المقابل قد يضعف هذه السمات حين يتحول إلى بديل عن التفكير والمثابرة.
المعلمون بدورهم مطالبون بالتعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة وليست بديلاً عن التعليم الحقيقي، وعلى أولياء الأمور مراقبة طريقة استخدام أبنائهم لهذه التقنيات لضمان أنها تنمّي مهاراتهم لا تُضعفها. كما تقع على مطوري الأنظمة التعليمية مسؤولية تصميم أدوات تدعم استقلالية الطالب وتغذي فضوله دون أن تُطفئ دافعيته الداخلية.

إرسال تعليق