يشهد قطاع الأمن السيبراني تحولًا غير مسبوق بسبب الذكاء الاصطناعي، حيث يقدم هذا الأخير أدوات قوية للكشف عن التهديدات والاستجابة لها، ولكنه في الوقت نفسه أصبح سلاحًا في يد المهاجمين لشن هجمات أكثر تعقيدًا واستهدافًا، مثل هجمات التصيد الاحتيالي المتقدمة وهجمات استهداف البنية التحتية الحيوية.
ووفقًا لدراسة حديثة أجرتها شركة Arkose Labs، فإن 80% من الشركات لا تزال غير مستعدة للتصدي للهجمات السيبرانية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ما يكشف عن وجود فجوة كبيرة في استعداد الشركات لمواجهة هذه التهديدات المتطورة.
المفاجأة الكبرى تكمن في أن الشركات لم تشهد بعد سوى بداية التأثيرات التي ستحدثها أدوات الذكاء الاصطناعي على مشهد الأمن السيبراني. فهذه الأدوات ستغير بشكل جذري طريقة عمل المهاجمين والمدافعين على حد سواء، وإذا استمرت الشركات في تأجيل تحديث استراتيجياتها الأمنية، فإن مواجهة التهديدات المعقدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي قد تصبح أمرًا صعبًا.
أظهرت الدراسة زيادة كبيرة في وتيرة وتعقيد الهجمات السيبرانية منذ ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي. إذ أفاد 56% من المشاركين في الاستطلاع بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد رفع من مستوى التهديدات السيبرانية التي تواجهها شركاتهم، وجعلها أكثر تعقيدًا.
أيضًا، أشار 88% من المشاركين إلى أن شركاتهم تعرضت لهجمات متزايدة من روبوتات الذكاء الاصطناعي في العامين الماضيين مقارنة بالهجمات التقليدية. وقد استهدفت هذه الهجمات عدة قطاعات حيوية، مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا المالية والطيران والضيافة، وذلك نظرًا لما تتمتع به هذه القطاعات من بيانات حساسة وبنية تحتية رقمية معقدة، بالإضافة إلى الاعتماد المتزايد على التطبيقات السحابية.
تعاني العديد من الشركات من نقص في الموظفين المؤهلين في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، ما يجعل من الصعب التصدي لتلك التهديدات. وقد بدأ المتسللون في استخدام الروبوتات لاختراق حسابات الشركات الشرعية وإنشاء حسابات مزيفة، بل بدأت بعض الروبوتات في استهداف أنظمة النماذج اللغوية الكبيرة نفسها، في محاولة لجمع البيانات لتدريب نماذجهم الخاصة أو بيع خدمات الذكاء الاصطناعي.
يأتي هذا في وقت تشهد فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي تحولًا سريعًا، مما يمكن المتسللين من أتمتة هجمات التصيد والهندسة الاجتماعية بطريقة أكثر فعالية وسرعة مقارنة بالبشر. وأشار تقرير من مورجان ستانلي إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم في إنشاء رسائل تصيد أكثر استهدافًا وأسرع بكثير من الأساليب التقليدية، ما يعزز من فعالية الهجمات. كما أظهرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي مهارة متزايدة في اختراق كلمات المرور، مما يزيد من صعوبة حماية الحسابات من الاختراق.
وبحسب دراسة Arkose Labs، هناك تباين في استعدادات الشركات لمواجهة هذه التهديدات. بينما يتسم البعض بتفاؤل زائف، يعترف آخرون بحجم التحدي الذي يواجهونه. إلا أن الشركات التي تعتمد بالفعل على أدوات الأمان المدعومة بالذكاء الاصطناعي تتمتع باستعداد أفضل لمكافحة هذه التهديدات.
وللتصدي لهذه التحديات المتزايدة، يجب على الشركات اتخاذ خطوات استباقية تتضمن:
- الاستثمار في التدريب والتطوير: يجب على الشركات تأهيل موظفيها على أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.
- تبني حلول أمنية متقدمة: يتعين على الشركات استخدام تقنيات التعلم الآلي للكشف عن الأنماط السلوكية غير الطبيعية والتهديدات الجديدة.
- التعاون مع الخبراء: من الضروري التعاون مع مختصين في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني لتطوير استراتيجيات دفاعية فعالة.
- تحديث السياسات والإجراءات الأمنية: يجب على الشركات تعديل سياساتها الأمنية بشكل دوري لمواكبة التهديدات المتجددة.
تُعد حماية الشركات من الهجمات السيبرانية المتقدمة تحديًا كبيرًا، ولكن من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية، بالإضافة إلى التدريب المستمر والتعاون مع الخبراء، يمكن تجاوز هذه التهديدات وحماية الأنظمة والبيانات.
إرسال تعليق