في إنجاز تقني مذهل ينقلنا خطوة نحو مستقبل الإنترنت الخارق، أعلن المعهد الوطني لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في اليابان عن تطوير كابل ألياف ضوئية جديد يمكنه نقل البيانات بسرعة جنونية تصل إلى بيتابت واحد في الثانية، وهي سرعة تفوق متوسط الإنترنت المنزلي بملايين المرات وتكاد تتجاوز حدود الخيال.
التجربة اليابانية لم تكن مجرد استعراض للقدرات، بل تمكّن الباحثون من نقل هذه الكمية الهائلة من البيانات عبر مسافة تزيد عن ألف وثمانمئة كيلومتر، وهي مسافة تقارب المسافة بين نيويورك وفلوريدا، دون أن تتأثر الإشارة أو يتراجع الأداء، وهو ما يجعل هذا الابتكار علامة فارقة في تاريخ الاتصالات.
الرقم الجديد يتفوق بسهولة على الرقم القياسي السابق الذي تم تسجيله العام الماضي من قبل علماء في المملكة المتحدة، إذ لم تتجاوز سرعتهم نصف ما حققه الفريق الياباني، وهذا ما يُبرز قوة التصميم الجديد الذي اعتمد على دمج تسعة عشر ليفًا ضوئيًا داخل كابل واحد بسمك لا يتجاوز شعرة الإنسان، ومع ذلك يظل متوافقًا مع البنية التحتية الحالية.
الكابل الجديد يعتمد على تقنية تسمح لكل ليف ضوئي من هذه الألياف التسعة عشر بأن يتفاعل مع الضوء بنفس الطريقة، ما يقلل من فقدان البيانات والتذبذب، ويزيد من استقرار الإشارة أثناء انتقالها لمسافات طويلة جدًا، وهو تحدٍ طالما واجه مهندسي الشبكات.
تفاصيل هذا الابتكار نُشرت خلال مؤتمر عالمي شهير في سان فرانسيسكو متخصص في تقنيات الألياف البصرية، حيث كشف المعهد عن التجربة بالكامل، موضحًا أن البيانات مرت عبر نظام إرسال متطور أكثر من عشرين مرة قبل أن تصل إلى جهاز الاستقبال بنجاح، وهو ما يعكس الجهد الضخم المبذول لحل التحديات التقنية المرتبطة بزيادة المدى وكفاءة الإشارة.
الهدف الآن لا يتوقف عند تحقيق الأرقام القياسية، بل يتطلع الفريق إلى استخدام هذه التقنية على نطاق عملي في شبكات الاتصالات، تمهيدًا لعصر جديد من الإنترنت السريع والموثوق، والذي سيصبح ضرورة ملحّة في ظل التوسع العالمي في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والأنظمة الذكية، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء.
ورغم أن هذه السرعات الخيالية قد تبدو غير ضرورية حاليًا لاستخدامات مثل مشاهدة الفيديو أو التصفح، فإن المستقبل يحمل بين طياته زيادة متسارعة في الطلب على نقل البيانات، ومع ترابط العالم أكثر فأكثر، سيكون من الصعب تجاهل الحاجة إلى بنية تحتية قادرة على مواكبة هذا الكم الهائل من التبادل الرقمي.
الكابلات الفائقة السرعة لن تبقى مجرد اختبارات معملية، بل ستتحول إلى أعمدة أساسية في شبكة عالمية جديدة، تدعم ما بعد شبكات الجيل الخامس وتُمهّد لمرحلة غير مسبوقة من الابتكار، فكلما اقتربنا من المستقبل، أصبحت هذه التكنولوجيا ضرورة لا غنى عنها وليست مجرد رفاهية تقنية.
إرسال تعليق