يشهد عالم الإنترنت اليوم تحولًا كبيرًا في طريقة استخدام الناس لمحركات البحث، بعد دخول الذكاء الاصطناعي على الخط بقوة، حيث باتت أدواته قادرة على تقديم إجابات فورية وشبه مكتملة تغني المستخدم عن تصفح الروابط والمصادر بنفسه، الأمر الذي يعيد تشكيل تجربة التصفح من جذورها ويطرح أسئلة جديدة حول مستقبل المحتوى على الويب.
فبدلًا من التنقل بين المواقع والبحث المعمق كما اعتاد المستخدمون في السابق، أصبح الكثير منهم يكتفي بقراءة الملخصات السريعة التي تقدمها روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، دون الحاجة إلى الغوص في التفاصيل أو زيارة الصفحات الأصلية، مما أفقد تجربة التصفح عنصر الاكتشاف والمتعة، بحسب ما أوضحته الصحفية المتخصصة في التكنولوجيا آشلي غولد.
تؤكد آشلي أن هذه الطريقة الجديدة للتفاعل مع الإنترنت تضعف رغبة المستخدم في البحث والتحليل، حيث قالت إن الذكاء الاصطناعي يمنح المستخدمين كل شيء دفعة واحدة، وهذا يغيّر التجربة كليًا ويجعلها أقل تفاعلية وأقل عمقًا.
لكن الأثر لا يتوقف عند المستخدمين فقط، فالأمر بات ينعكس أيضًا بشكل خطير على الناشرين وأصحاب المواقع الذين يعتمدون على زيارات المستخدمين لتحقيق دخلهم. فعلى الرغم من أن بعض أدوات الذكاء الاصطناعي تضع روابط للمصادر الأصلية، إلا أن هذه الروابط غالبًا ما تكون غير واضحة أو غير جاذبة، مما يقلل من احتمال النقر عليها، ويؤدي إلى انخفاض حاد في عدد الزيارات، وهو ما يُعد أزمة حقيقية للكثير من المواقع الإخبارية والمدونات.
وتصف آشلي هذا الوضع بأنه كارثي بالنسبة للناشرين، خاصة بعد سنوات من العمل على تحسين محركات البحث وبناء محتوى موثوق وقائم على الجودة، لتأتي ملخصات الذكاء الاصطناعي وتتصدر النتائج بدلًا من الصفحات الأصلية، دون أن تعود بالفائدة المباشرة على أصحاب هذا المحتوى.
القلق الأكبر يكمن في أن هذا الوضع قد ينعكس سلبًا على جودة المعلومات نفسها، فالذكاء الاصطناعي لا يخلق محتوى من فراغ، بل يعتمد على ما ينشره البشر من مقالات وتحليلات وبيانات، وإذا توقف الناشرون عن الإنتاج بسبب قلة العوائد، فإن الإنترنت نفسه قد يصبح أقل تنوعًا وغنى، ما يعني أن الذكاء الاصطناعي سيتغذى لاحقًا على معلومات أقل دقة وأقل قيمة.
الأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد الرقمي، بل يمتد إلى مهارات التفكير النقدي لدى المستخدمين، إذ إن الاعتماد الزائد على إجابات جاهزة يقلل من قدرتهم على تحليل المعلومات واختيار المصادر بأنفسهم، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى جمهور أقل وعيًا، وأقل قدرة على التمييز بين الصحيح والمضلل.
ورغم كل هذه التحديات، لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي قد جعل الوصول إلى المعلومة أسرع وأكثر سلاسة، لكنه في الوقت نفسه يفرض علينا إعادة التفكير في كيفية استخدامنا للويب، وفي التوازن بين الراحة والفهم العميق، وبين السرعة والجودة.
فالذكاء الاصطناعي في محركات البحث يشبه سيفًا بحدين، إما أن نستخدمه بوعي لتعزيز المعرفة، أو نسمح له أن يسلب من الإنترنت قيمته الحقيقية كمصدر مفتوح للتعلم والاكتشاف والتفاعل الإنساني.
إرسال تعليق