في تطور علمي مثير، نجح فريق من الباحثين في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كاوست في ابتكار أداة ذكية جديدة تعتمد على تقنية التعلم العميق وتحمل اسم ديب بلاستويد، لتفتح بذلك آفاقًا غير مسبوقة في دراسة مراحل تطور الجنين البشري داخل المختبر.
هذه الأداة المتقدمة لا تكتفي فقط بمحاكاة تقييم الخبراء في تحليل صور البلاستويدات، بل تتفوق عليهم بسرعتها الخيالية، إذ تنجز ما قد يحتاج البشر إلى ساعات لتحليله خلال ثوانٍ معدودة، ما يجعلها واحدة من أكثر الابتكارات الواعدة في مجال أبحاث الصحة الإنجابية.
يكتسب هذا الإنجاز أهميته من خصوصية المرحلة التي تُعنى بها الأداة، وهي مرحلة مبكرة وحاسمة في تكوّن الجنين، تعرف بمرحلة الكيسة الأريمية، التي تبدأ بعد الإخصاب بأيام قليلة، وتسبق لحظة انغراس الجنين في جدار الرحم، حيث تبدأ رحلة الحمل الحقيقية. إلا أن دراسة هذه المرحلة بشكل مباشر تظل صعبة نظرًا للقيود الأخلاقية، لذلك تم ابتكار البلاستويدات، وهي نماذج خلوية تم إنتاجها من الخلايا الجذعية دون استخدام أنسجة جنينية، مما جعلها بديلاً مثاليًا للأبحاث الدقيقة.
فريق كاوست درّب أداة DeepBlastoid على آلاف الصور المجهرية للبلاستويدات، ثم اختبر أداءها على عشرات آلاف الصور الأخرى لدراسة تأثير المواد الكيميائية في نمو هذه النماذج، وهو أمر بالغ الأهمية، خصوصًا للنساء اللواتي يتناولن أدوية معينة ويخططن للحمل. النتائج كانت مذهلة، حيث استطاعت الأداة فحص مئات الصور في الثانية، مما جعل من الممكن تحليل بيانات ضخمة في زمن قياسي.
البروفيسور مو لي، المتخصص في بيولوجيا الخلايا الجذعية وأحد أعضاء الفريق المطور، أكد أن هذا الإنجاز يمثل نقلة حقيقية في فهم تأثير الأدوية والعقاقير على الجنين، وقد يغيّر مستقبل تقنيات التلقيح الاصطناعي عبر تحسين ظروف الإخصاب ودقة التقييم.
فيما أشار البروفيسور بيتر وونكا، الخبير في الذكاء الاصطناعي التوليدي وقائد الفريق، إلى أن DeepBlastoid لا تكتفي بمحاكاة العين البشرية، بل تتفوق عليها بقدرتها على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة غير مسبوقة، مما يتيح تنفيذ تجارب علمية كانت في السابق شبه مستحيلة بسبب الوقت والتكلفة.
ولعل أكثر ما يميز هذه الأداة هو مرونتها، إذ يمكن تكييف خوارزمياتها لتعمل على نماذج خلوية أخرى، ما يمنح الباحثين فرصة لفهم مراحل نمو متعددة، ليس فقط للأجنة، بل أيضًا لأعضاء مختلفة في الجسم، ما يفتح أبوابًا جديدة أمام الأبحاث البيولوجية الدقيقة والمعقدة.
إرسال تعليق